Pages

Saturday, January 31, 2009

غربة فرج-الحلقة الثالثة : العــــــــــرّاب

 


أين فرج من السفر ؟؟؟ , باقي خمس ساعات على موعد الإقلاع , لم يدع أحدا ولم يسأله , حتى عابري السبيل طالهم بأسئلته واستفساراته ,ولافتات ذات اليمين والشمال , حتى بانت عليه علامات الغربة في المطار قبل غربة الخليج , وكأنه طبع على جبينه "هطرش" . وتتبعا للإرشادات المكثفة والدلالات والعلامات الموجودة , وصل للبوابة المقصودة والتصق بجانبها , كما يلتصق الجنين في رحم أمه , لا يستطيع العبور إلا قبل ساعتين من موعد الإقلاع والآخر من موعد الطلـق. وسيجارة تتبعها أخرى يتقـن فن تدخين السجائر ولا يتفنن إطفائها , فأعقاب السجائر من حوله كقشر البليلة أو الفشار بقاعة السينما منها ما هو على الأرض ومنها ما هو عالق بين الكراسي ومنها بفناجين القهوة والقليل جدا في مطفأة السجائر. تارة جالس لوحده وتارة يتجاذب أطراف الحديث. والوقت يزحف كما السلحفاة والساعة كأنها سنة , ومع هذا كله ما زال محافظا على بريستيج وهيبة البدلة الكاروهات يقف كل نصف ساعة مثل فترة الاستراحة بين الشوطين بالمباراة ويفرد جسمه والبدلة معا وينفـض السكن العالق بملابسه , يطالع ساعته ولوحة المواعيد , وعلى هذا المنوال حتى أنقضت الساعات الثلاث التي كانت كثقل الجبال . وآن لهذا الفارس أن يترجل من المقاعد الخارجية إلى بوابة العبور وكله ثقة أن الساعتين بالداخل ستكون أجمل وأحلى من قاعة الانتظار الخارجية . وبالفعل أنجز جميع المعاملات وأنتقل للطابق العلوي وأحس بألفة مع المكان مصحوبة بروائح القهوة والدخان والعطور تهب بالتوالي والتوازي امتزجت بطريقة جميلة عجيبة , فكان أول مهامه زيارة السوق الحرة التي لطالما سمع عنها , وشراء أكبر كمية مسموح بها من سجائر "الجولد ستار" نخب أول المخصصة للتصدير التي تختلف عن السجائر المحلية المشبعة بنشارة الخشب حتى كاد أن يكتب عليها عبارة "ننصحك بعلبة كبريت لكل سيجارة " بدلا من "التدخين مضر بالصحة ننصحك بالابتعاد عنه " وبين سطعه الأضواء ورائحة العطور , وإذ به يلمح مدرس اللغة الإنجليزية في المرحلة الإعدادية "الأستاذ جهاد" فلقد تغير تماما , هذا الأستاذ المتأنق الوسيم القادم من المدينة إلى قريتهم المتواضعة , الذي كان يشبه ممثلي السينما , وإذ به منفوخ كما البالون , أصلع وكأنه أصبح أقصر وبين شريط الذكريات والاستغراب على وضعه الحالي , وبخطوات معدودة فيها لهفة واشتياق وتربيت على كتف أستاذه يتبعه صوت خافت , أستاذ جهاد ...مين؟؟.....وإذا بأستاذه شرد بذهنه قليلا .. ووقف ساكنا ثم ضمه بقوة بين يديه السمينتين حتى كاد أن يخنقه، وقال له " عبسي" ولطالما كره هذا الاسم الذي حمله معه حتى مرحلة التوجيهي وذلك لتشبيهه بعبسي في حلقات المسلسل الكرتوني "عدنان ولينا" , ومع هذا كله إلا أنه كان سعيدا لان مدرسه لم ينساه. تصافحا بحرارة مع الأسئلة المتتابعة عن القرية ومن فيها , خصوصا ذكريات تلك الفترة ، ولم يساله فرج كيف أصبح بهذا الشكل الجديد ولم يسأله أستاذه عن حاله هذا الذى لم يتغير منذ ان كان في المرحلة الإعدادية. ومما زاد من حلاوة اللقاء معرفته بأن أستاذه متعاقد بنفس الدولة الخليجية منذ فترة طويلة, واحساسه بارتقاء العلاقة من طالب يخشى أن يطيل النظر إلى وجه أستاذه إلى زميل بل أكثر إلى صديق أو أخ كبير , ولكنه سيبقى بقرارة نفسه ذلك الطالب الذي يجل ويحترم مدرسه مع اختلاف طلبه للعلم إلى طالب الخبرة والمعرفة خصوصا في مسيرة حياته الجديدة . ومع انتقالهم من ذاك الركن إلى ذلك الركن , وجلسة هنا وهناك , وصوته العالي المتميز كأيام الدراسة , وهو يحدث فرج عن غربته هناك , فكان كما المغناطيس يجذب أسماع بعض المتعاقدين من كل زاوية وهم ينقلون الطاقة لغيرهم حتى أجتمع عدد كبير من الذين تم التعاقد معهم في زاوية المدخنين وشكلوا صفا دراسيا كما المدرسة والأستاذ متألق بالشرح , وجاري التعارف والتقديم وعرض الخبرات منعقد في هذه الزاوية , وفرج يزهو كالطاووس ملاصق لأستاذه , فهو عريف الصف. والمضحك في الموضوع أن اللمة كانت تشبه حوض السمك فيتم تصنيف البشر لبعضهم كسمك الزينة منها الجميل , المسالم ,الحساس , المقاتل وأخيرا الزبال . فأصحاب البدلات الكاروهات الذين تفاجأ بهم فرج على شاكلته مع بعض , وأصحاب اللحى و الدشاديش مع بعض , والبنطلونات القصيرة مع بعض , وأصحاب البدل والربطات الأنيقة مع بعض , والبنطلونات الواسعة و الخصر العالي والحذاء بدون جرابات مع بعض , فيتم التصنيف عادة في بادئ الأمر على المظهر قبل الجوهر, وانهالت الأسئلة المنهمرة على الأستاذ جهاد من كل صوب منها عن التوفير , السيارات , اللبس , الحياة , والردود بسيطة ووجيزة خصوصا مع اقتراب موعد الإقلاع هذا بالإضافة إلى ضيق المكان وأصبح كأنه الجحيم وتأججت حرارة المكان وابتلت ملابس الأستاذ بشلالات من العرق التي انهمرت بين طيات بطنه التي برزت كالجبال وارتسمت الأملاح على قميصه " العنابي" ورشحت صلعته الملبدة بالعرق , وفرج كالحارس الشخصي يخرج أستاذه من هذه الحصة ...يا شباب الأستاذ تعب نكمل هناك بس نوصل بالسلامة , مع تقديم استاذه بكل احترام وتقدير والمجموعة من خلفه أجمعوا ضمنيا على قيادته , ويرجع الفضل لفرج , بتنصيب أستاذه عراب الغربة أو God Father .

إلى اللقاء في الحلقة القادمة من مسلسل "غربة فرج"




المؤلف : عبدالرحيم محمد الحــــــــــافي








"مدونة الحــــــــــــــــافي" Created by A.Raheim Mohamed Alhafi is licensed under a Creative Commons Attribution 3.0 United States License. Based on a work at www.alhafi.spaces.live.com/blog. Permissions beyond the scope of this license may be 

No comments: