Pages

Tuesday, January 24, 2012

كوسكوسيه غربة

كوسكوسيه غربة
بقلم :عبدالرحيم الحافي

من خلال غربتي الطويلة ما قبل حرب الخليج وبعدها ,وما قبل أزمة الأسواق المالية وبعدها , ومتابعتي لهموم ومشاكل الوطن ,وأبنائه المقيمين والمغتربين على الأخص الذين أعد أنا أحدهم , وجدت فجوة كبيرة بين ما يطلبه المغترب وما تلبيه الحكومة. وذلك لعدة أسباب , أهمها أنه لا توجد جهة رسمية تمثلهم وتتحدث بألسنتهم وتعرض همومهم ومشاكلهم وأوجاعهم وتبين حقوقهم وواجباتهم وتطلعاتهم , فاختلطت الأمور ببعضها , كالهموم بالحقوق , والمشاكل بالواجبات , والأوجاع بالتطلعات , والحنين بالغربة , والسفر بالعودة , يقدم كطبق "كوسكسيه غربة" تضيق بأكله أو ابتلاعه الحكومات السابقة أو المتعاقبة .
أريد أن أعرض لكم هذا الطبق العجيب, بما تمخضت عنه خبرة السنين , وأوضح ما يدور بمعظم المجالس و أروقة المغتربين الأردنيين الذين  منهم من ينكروا بأن لهم حقوق  , بأن يقول أية حقوق؟ ..." لا تقاعد لا ضمان لا صحة لا تعليم لا انتخابات " , ومنهم من ينتقص الحقوق المعطاة كنسبة المقاعد الجامعية  ومشروع الضمان الاجتماعي ,ومنهم من يطالب بوزارة ترعى شؤون المغتربين كما الحال في بعض الدول العربية  أو نقابة كنقابة المهندسين أو جمعية تنظم شؤونهم ومنهم من يقتصر طلبه على عرض أو بث بعض البرامج التلفزيونية أو الإذاعية أو نشر بعض المقالات الصحفية عن المغتربين وأحوالهم , ومنهم من يستعظم واجباته والتزاماته المالية منذ دخولهم المراكز الحدودية للوطن لحين خروجهم منها , ومنهم من يروا  أنفسهم أنهم مجرد أرقام ونسب بإحصائيات ومقالات اقتصادية تظهر تزايد أو تراجع حجم التحويلات أو العائدات . ومنهم من أوجدوا وطنا بديلا بالحصول على جنسية الوطن المضيف أو إيمانا بمقولة "غنى في الغربة وطن " , ومنهم من يخشى العودة إيمانا بمقولة "فقر في الوطن غربة" , ومنهم من يلبث بالغربة فترة صغيرة ويعود  إيمانا بمقولة "فقر في وطن غنى" .ومنهم ...وفيهم  الكثير والكثير.
بعد هذه الوجبة الدسمة ,دعوني أظهر بعض الحقائق حتى أضيق الفجوة بين المغتربين والمقيمين والقائمين على شؤونهم , التي أصبحت علاقاتهم تبادلية بالفعل ورد الفعل.
حقيقة أنه لا توجد رسوم إضافية يتكبدها المواطن المغترب بخلاف المواطن المقيم , والواجبات والالتزامات موحدة على الجميع , ولا توجد ضرائب أو  تحصيلات تفرض على المغترب تخرجه عن طوره , إلا باختلافات بسيطة تكاد أن لا تذكر على سبيل المثال الجوزات والتصديقات لدى السفارات الخارجية في البلد المضيف ,وحقيقة أنه لا توجد رسوم داخل الوطن أو على الحدود تفرق بين مقيم ومغترب. وحقيقة أنه هناك نظام ضمان اجتماعي يستظل تحته المغترب وذلك بالانتساب الاختياري ,وحقيقة أن هناك نسبة 5% من المقاعد الجامعية لأبناء المغتربين, وحقيقة أن هناك خدمات للمسافرين والعائدين والمنكوبين ,ولكن إذا كانت هذه كلها حقائق , أين المشاكل إذا؟
سأتطرق لأحدها , وأترك الباقي لمقالات لاحقة , وهي نسبة 5% من المقاعد الجامعية لأبناء المغتربين ,التي وضعت وبقيت هذه النسبة على حالها منذ أن كنا نملك جامعتين حكوميتين فقط ,والآن أصبح عندنا خمسة عشرة جامعة حكومية ذات طاقة استيعابية عالية، وموزعة جغرافيا بين مناطق المملكة والنسبة بقيت كما هي 5% ,ومع زيادة عدد المغتربين عن الستمائة ألف نسمة أي بما يعادل 10% من سكان الأردن  الذي يقدر عدد شعبه بما يفوق الستة ملاين نسمة . والنسبة بقيت كما هي 5% , وغالبا ما يحصد هذه النسبة من المقاعد الجامعية أبناء الجالية في المملكة العربية السعودية .وإذا ما تم قبول المغترب الأردني بالتعليم الموازي في الجامعة الأردنية يدفع بنظام التعليم الموازي الدولي , ولا يدفع بنظام التعليم الموازي كأبناء الوطن المقيمين .
لا أريد في مقالي أن أضع تشريعات وقوانين , وأثقل بآرائي واقتراحاتي على الحكومة , ولا أزاود بنصائحي ودراساتي على المختصين ,ما يهمني أن توجد الحكومة جهة واحدة تتحدث بلسان المغتربين ,كانت وزارة أو نقابة أو جمعية , يندرج تحتها كل ما يعني المغتربين عاملين ومستثمرين من ضمان وتكافل اجتماعي وتعلمي واستصلاح وتوزيع أراضي حكومية وتأمين صحي ورسوم جمركية وقروض حسنة و استثمارية , ودعم المشاريع الصغيرة ...الخ , ونعدكم ألا نقدم لكم الطبق العجيب "كوسكوسيه غربة" بعد تلبية تطلعاتنا البسيطة والمعقولة .








Friday, January 13, 2012

Ep3-العربيزي المتغربن


العربيزي المتغربن

العربيزي  المتغربن
بقلم :عبدالرحيم الحافي
منشور في عمان بوست الجمعة الموافق 13/1/2012 تحت عنوان العربيزي شيء. من المتغربن
ظهرت في مجتمعاتنا العربية ظاهرة ملحوظة , وإن كانت ليست بجديدة لكن في الآونة الأخيرة استفحل أثرها وصارت أكثر بروزا ووضوحا من ذي قبل وهي ظاهرة العربيزية وهي عبارة عن صك مزاوجة اللغة العربية باللغة الإنجليزية نطقا أو كتابة أو الاثنين معا. حيث باتت لغتنا العربية مهددة من هذه اللغة الهجينة التي نشرها بيننا المتغربنيين (نسبة إلى الغرب), خصوصا جيل مواقع الدردشة والفيس بووك والتويتر الذين أسهموا بقصد أو دون قصد بانتشارها السريع والمريع .
العربيزية كما أسلفت ظاهرة ليست بجديدة ولكنها كانت مستساغة , بعيدة كل البعد عن الإضرار باللغة أو المجتمع, ظاهرة خفيفة مثلتها دور السينما والمسرح والتلفزيون على مر هذه العقود , و اشتهر بأدائها نخبة من الممثلين المتغربنيين على شاكلة ماري شكيب و استيفان روستي و عبدالسلام النابلسي , حيث كان العمل الفني لا يحوي إلا كلمات قليلة جدا تكاد تعد على الأصابع كأن يقول الممثل أو الممثلة "مستحيل=Impossible " ولا يكتفي بذلك بل يقوم بترجمتها مباشرة للمشاهد أو يلدغ بالغين عوضا على الراء كما يفعل الفرنسيين أو يقول خبيبي بدل حبيبي والكل يحافظ على جوهر الكلمة والمعني .
العربيزيون الجدد أوجدوا لغة هجينة, قواعدها أن لا قاعدة ,حيث أن لهم طرق غريبة وعجيبة في الكتابة أو النطق , في مجال الكتابة ليس عليك سوى أن تقوم بكتابة العربية بحروف وأرقام لاتينية ,كأن ترسل رسالة قصيرة "يسعد صباحك" وعربزتها "Yes3id Saba7ak" , يكفيك أن تعوض بعض الحروف الدسمة بلغتنا العربية بالأرقام كالشيفرة العربيزية التالية : (2:أ- 3:ع – 5:خ-6:ط-7:ح-9:ص) , وإذا أردت أن تكون رائدا في هذا المجال أن تدعم كتاباتك المشفرة بالأيقونات لتصبح عربيزيا متأيقنا , كأن تضيف أيقون قلب حب تعبيرا عن كلمة أحبك , أو أيقون الإبهام إلى أعلي لتبدي إعجابك , أو إلى الأسفل لتبدي استيائك وأشهرها على الأطلاق الوجه الأصفر الضاحك لتبين له ابتسامتك وصف أسنانك .أما طرقهم النطقية والكلامية فحدث ولا حرج القفز بين اللغتين تارة هنا وتارة هناك , وجملة من هنا وأخرى من هناك .
أنا لست ضد العربيزية بالمطلق , فهناك جوانب إيجابية لهذه الظاهرة خصوصا الكتابة النصية كالرسائل القصيرة والدردشة والمواقع الإلكترونية , على شرط أن لا تزيد عن كلمتين وأقصاه ثلاث مع الأيقونات , خصوصا أن لم توفر الحواسيب والأجهزة الكفية الدعم للغة العربية , وإن توفرت تستخدم بأضيق أضيق الحدود .فمن الغير معقول بالنسبة لي أن أستلم نص يتكون من جملة تزيد عن الخمس كلمات بل تتعدى ذلك لفقرة معربزة تحتاج مني لدقائق طوال لقراءتها كأنني أفك شيفرة أو ملتحق جديد في صفوف محو الأمية .
ولكني من أشد المعارضين والمحاربين لهؤلاء الذين يغالون ب العربيزية النطقية والكلامية .الذين يحنجروا أصواتهم لتصبح أعلى فلا تظهر عربيزيتهم المحلية فتبدوانها غربية أصيلة, ويطعموها بلكنات ,اشهرها الأمريكية ذات الأصول الأفريقية , ودسوا الكلمات والجمل السوقية الشوا رعية وجعلوها لازمة في حديثهم ومن أشهرها "F..k ;Dam Sh.t;Mother f…r " .وتربع عندهم على القمة أصحاب الطواقي والسلاسل وقصات الشعر والوشام والبناطيل الساحلة وأصحاب الحركات والإيماءات الشيطانية .وتزيد وتيرة العربيزية عندهم في الأماكن التي لا يتقن الكثيرون أهلها اللغة الإنجليزية , أو في بعض الأماكن الفقيرة ,أو الأماكن ذات الضوضاء , أو بعض المدارس والجامعات الخاصة , وفي جميع المواقع التي ذكرتها يحرصون على عدم تواجد المثقفين ومتحدثي اللغة الإنجليزية بطلاقة فتجدهم بكل بساطة يتعربون وترجع إليهم الذاكرة .
تذكرت قصة طريفة , حصلت مع جار صديق لي من سكان الرصيفة / الأردن , أنه في بداية السبعينات تم طلب مهنيين للعمل في ألمانيا , فتغرب معظم رجال الحارة تاركين عائلاتهم بين ذهاب وعودة حتى طالت غربتهم عن الثلاثين عاما . وحملوا الجنسيات الغربية وورثوها لأبنائهم , والمتقاعدين منهم رجعوا واستقروا في بلدهم .وسافر جيل الفيس بوك ليتابع مسيرة الغربة ,حتى توفى والد جار صديقي ليعود ابنه العربيزي الصغير ليحضر الدفن والعزاء. وكان في العزاء يرد على التعزيزات والأسئلة المنهمرة عن أحواله وأخباره في ألمانيا خلال العامين الماضيين ,وفي معظم ردوده يتلعثم باللغة العربية فيضرب على صباحه بقوة ليخض ذاكرته الضعيفة , فلا يسعفه التطبيل فيعوضوها بكلمات ألمانية على وزن "شلختن بختن أومن". حتى ضاق صدر أحدد المعزين العتق من أصحاب الهيبة والوقار, رفيق درب المرحوم قائلا "يا عمي يرحم أبوك , أتغربنا أنا وأبوك مع أكثر من نصف المعزيين في القاعة يمكن أكثر من ثلاثين سنة , وما نسينا كلمة أو بيت شعر حفظناه وإحنا بالمدارس, وأنت خلال سنتين غربة تعلك بكلمات ألمانية خطأ وتعصر بحالك زي اللي بحضر جني أو زي الخارج من الحمام , يا عمي ما سمعت شوقي ماذا يقول عن لغتنا - أنا البحر في أحشائه الدرر كامن... فهل سألوا الغواص عن صدفاتي- , عمرك شفت ألماني وأنت هناك تكلم معك بغير الألمانية ؟ ..فيرد على نفسه ..أكيد لا.... ولا يمكن مع أنه قد يكون يتقن أكثر من لغة , ومن ثم يا عم هاي بظل لغة زيها زي أي لغة بتقنها حتى الطفل الصغير عندهم , لا هي علم ولا حضارة , أحكي زي ما بدك عندهم وأحكي بلغتنا هون , لغة أهل الجنة , والقرآن , على العموم يا عمي بدي إياك تعرف ما تسقط أمة إلا بأيدي اللي أسقطوا لغتها , ويسلم راسك بالمرحوم "
في مقالي أردت أن أوضح بأنني لست ضد اللغة الإنجليزية , فهي الآن لغة العلم والعلماء والحضارة الحديثة , فلها أماكنها ومواقعها , وأتقبل من يتحدث بها على الإطلاق أو يطعمها ببعض الكلمات العربية والعكس صحيح لتصبح عربيزيه في مواقع العلم وأحيانا العمل .وأرفض العربيزيون من الأهل والأصدقاء والزملاء الذين يضيق صدرهم بكلمات عربية معبرة بسيطة رضعها منذ أن كان في المهد ويستبدلها بكلمة إنجليزية حفظها من المسلسلات والأفلام أو غربة الدراسة والعمل.
وأقول أن الدول المتحضرة يحافظون على لغتهم ولا يطعموها بلغات أخرى ,لأنهم قدموا وما زالوا يقدمون للحضارة الإنسانية ما يجعلهم يعتزون بثقافاتهم ولغتهم , أما أمتنا العربية قدمت الأغاني والإفهات والنكت وتمادت بإظهار المتخلفين والإرهابين والسياسيين وشيوخ الدين , يتمعطون باللغة العربية ويشددون كمن يخرج من دورة المياه .
أسأل الله أن يحفظ أمتنا العربية والإسلامية بألف خير , ويرحم أجدادنا وابائنا وذرياتنا من علماء وأطباء ومهندسين ومدرسين وأدباء ومهنيين ,الذين حافظوا على اللغة واللهجة واللكنة والحرف ,ولم يتعربزون أو يتغرونون .