Pages

Saturday, February 14, 2009

غربة فرج-الحلقة الرابعة– الأمووور --القرد


"غربة فرج"


لقد تم الإعلان عن الموعد الأخير للإقلاع , "النداء الأخير...على المسافرين التوجه للبوابة" , وشلة الغربة التي تشكلت في الحلقة السابقة  أشبه بفريق كرة القدم يتقدمهم كابتن الفريق الأستاذ جهاد بخطوات سريعة , ممتدة ,  متساوية , كأنه يعد ويحسب المسافة بين بعدين , واثق الخطوة يمشي ملكا , وبجانبه المساعد فرج لا يخرج عن نسق المشية , والباقي تشكل  بين مفرد و مجوز وجماعة . حتى وصلوا لسلم الطائرة وفرج تثقل رجليه على السلم الحديدي  كأنه ينتعل حذاء مغناطيسي  , لقد حان وقت الرحيل , اختلف شعوره الآن , فأحس بحرقة فراق لم يشعر بها إلا هذه اللحظة. كالذي  يبكي على الفقيد الغالي بعد أيام بل شهور من دفنه , و واغرورقت عيناه بالدمع لم يلتفت للخلف رغم رغبته بذلك , واستكمل الصعود إلى باب الطائرة بين استقبال وترحيب  من قبل الطاقم  أجنبي على عربي . يتبع أستاذه , والممر ضيق جدا بين الكراسي , فيحاور باللعب بين الركاب بين جلوس ووقوف واستدارة  حتى جلس بجانب أستاذه , ولم يخفي حالة الرعب و الخوف التي يعيشها  , فهذه أول مرة يسافر فيها بالطائرة , لم يسافر بحياته سوى أيام الجامعة بباصات "كوستر" وإن حالفه الحظ بباصات "جت"  , هذا خلافا لذكريات إجازات الصيف بالمدارس ,  والعمل بالطبار , حيث كان يخشى الارتفاع بالسقّالة المعلقة بالحبال , فما بالك  بهذه الطائرة التي ستتعلق بالفضاء  , والأستاذ كاد أن يختنق من الضحك المتقطع" الله يجازي بلايشيك.......خااااااايف......شكلك مساويها على حالك ….. " ويمسح دمعه من على عينيه ويمسك بطنه , وفرج يتلفت ذات اليمين والشمال وبصوت خافت ..."الله يستر عليك وطيلي  صوتك" , وأحس الأستاذ بجدية الموقف , وبدء يطمئنه ويهدئ من روعه, وشرع بمحاضرة عن الطائرات والأمان والطيار الآلي والمحرك الاحتياطي ونسبة الحوادث  حتى حق أن يقال "أسألوا جهاد" بدل ان "أسألوا جهينة", وهذا الكلام جعل فرج في وادي وأستاذه بوادي آخر . وإذ تقف بجانبه فتاة جميلة , مصحوبة بمضيفة إنجليزية أجمل منها   , "بردون تزكرتي مكتوب عليها جي 2 ...يعني الكرسي اللي انت آعد عليه" .
مع الاعتذار من الطرفين ,واللحاق بالمضيفـــة ......
"M2…. Your seats there… follow me please ", وفرج سلامتكم, سكر خفيف باللغة الإنجليزية, ويكتفي بالإيماءات كأنه قادم من اليابان.
 حتى جلس بجانب النافذة , ونظر منها وأغلقها مباشرة , فلا يريد أن يفارق الأرض ويلامس السماء . استقر الوضع داخل الطائرة وهدء الضجيج , والمقعدين بجانبه خاليين , يتأمل بصحبة بنتين يحكوا له  "بردون"  , تنسيه حالة الرعب التي يعيشها .والكل بحالة انتظار لبعض الركاب المتأخرين , وفرج أكثر منهم انتظارا ليعرف حظه من الصحبة المنتظرة . وكاد الباب أن يغلق حتى دخلت امرأة تضم رضيعها إلى صدرها بيد واليد الأخرى حقيبة يد وبعض الأكياس المتفرقة معلم عليهم بالوان “الماجيك” ,  الاسم والعنوان ورقم التلفون , في حالة ضياع الثروة , وطفل لا يتعدى الاربع سنين وجهه معلم بالشوكولا , يحمل علبة عصير ترشح من يديه يمسك أذيال عباءة  أمه . هذا الطفل الاعجوبة  بقاعة الانتظار, كان يقفز كما الكرة المطاط , يبكي تارة ويضحك تارة ,ويتعثر تارة, وأمه تلحقه به هنا وهناك .
"يا لطيف اللطف يا رب , الله يستر ما يلزقوا  جنبي " , وهووب يا فرج , والمضيفة سحابيتهم لعندك , "تفضلي يا مدام , انتي والأمامير اللي معك " , وحفاظا على الشرعية الدينية , ألصق الأموور من قبل الام بدبقه كالدبس العراقي بالمقعد الوسطاني , وجلست ورضيعها بالمقعد الثالث بجانب الممر , وحالة صمت لدقائق معدودة , وكأن كهرباء مسكت بالأموور , و بدء ينط ويقفز كما القرد ,وأصابته حالة من الجنون العارم , ويرمي بنفسه على فرج بكل ما يحمل من عصائر وسكاكر وشيبس  , كأنه سوبرماركت متنقل , "بابا ؟؟؟؟؟"  .
  وفرج كالسحرة يتمتم بصوت خافت "بابا مين؟؟ والناس نايمين, مين وين طلع لي  ه القرد؟؟؟ " , وتتدخل الام , وتسحب الأمووور بيد واحدة كالمصارعين بسرعة البرق وتثبته بكرسيه , ورغم الإحراج الكبير, لم يبقى له إلا أن يعيش الكوميديا مع نفسه , حكم مصارعة , ليس عليه إلا أن يعد للثلاثة حتى يعلن فوزها  , ومداخلة من الام " أكعد ولك هاظا مش أبوك , معلش يا خوي وسخلك أواعيك " , وفرج "ولا يهمك أصلا هم وسخين من يوم ما اشتريتهم , الله يخلي لك إياه شكله  أموووور ومسمم " , وبدء حالة النفاق والتوتر مع هالامووور  ,"بس يا حبيبي", بس يا روحي", بس يا عمري" , "ولك بس يابا " , والاموور ماسك العصير ويرشق العصير كحبات المطر هنا وهناك , وراسه يدور كالبندول  يمنة وبسرة كالدراويش , لا ينقصه إلا أن يهلهل "الله حي , الله حي" ,ويأتي صوت المذياع , على المسافرين تثبيت الاحزمة بالمقاعد , مع قدوم المضيفة بحزام برتقالي " معلش إزا بتريد , ممكن نربط الاموور  بحضنك , لبين ما تألع الطيارة وتستأر بالجو " , "ما فيه مشكلة , أصلا صار شكلي زي بوكسة البندورة والأموور زي العسل , وإذا بدك الاموور أخوه هاتيه " , " مرسي كتييير على زوأك بكفي هالاموور  , طبعا هذه فرصة لا تعوض , البدلة الكاروهات تبهدلت , وصار الوضع كما الفلم الهندي , اوله كوميديا ووسطه حزن وآخره انتقام , مجرد ما ربط الاموور في حضنه وبدأت حركة الطائرة بالتسارع والإقلاع , بدء  يطبق على الاموور بيديه بمشاعر الخوف والحقد الدفين , حتى يكاد ان يقطع أنفاسه , وصدق المثل  "الغريق يتعلق بقشة" , ورغم استقرار الطائرة , آثر فرج ان يبقيه بحضنه , ليسدد دينه من الاموور , فيقبله ,ويربت على كتفه كالحمل الوديع من جهة الام ,ويقرصه ويعضه كالأفعى من جهة النافذة, والاموور بصياح  متزايد , وهكذا دواليك حتى استسلم الامووور للنوم, وأطبق على الامووور كما يطبق الفهد على الغزال , لم يسعد في هذه الرحلة , كما هذه اللحظة , تناول عشاءه بهدوء , لا يؤرقه إلا صياح الاموور الرضيع , لكن ما ذنبه , يكفيه حالة الشر والانتقام التي عاشها على الطائرة , " كتوفيق الذقن " , وصوت المذياع من جديد " لقد وصلنا مطار الخليج....على المسافرين ربط الأحزمة"




;
إلى اللقاء في الحلقة القادمة من مسلسل "غربة فرج"


المؤلف : عبدالرحيم محمد الحــــــــــافي
 





Creative Commons License
"مدونة الحــــــــــــــــافي" Created by A.Raheim Mohamed Alhafi is licensed under a Creative Commons Attribution 3.0 United States License. Based on a work at www.alhafi.spaces.live.com/blog. Permissions beyond the scope of this license may be available at alhafi@alhafi.org



No comments: